“إذن البطل يبحث باستمرار عن لذّة الشعور فهو كائن يتألم لكن لا يشعر، بالتالي ما حاجة وجود الهيبتا في قصة هذا البطل المتعثر في فهم ذاته ولم يعطه الحب ما أراده منه إلا عند لحظة النهاية؟”
.
.
تعالج رواية هيبتا موضوعا قديما جديدا، منذ كتاب ابن حزم الأندلسي في التراث الإسلامي “طوق الحمامة في الأُلفَةِ والأُلَّاف” والحديث عن الحب ومراحله قائم، فهل استطاع أن يكشف لنا المؤلف محمد صادق عن رؤية وفلسفة مغايرة، تعالج علاقات الحب العاطفية في العصر الحاضر، قد تجيب أرقام مبيعات الرواية بالإيجاب، وإصدار نسخة سينمائية من الرواية عام 2016 بعنوان “المحاضرة الأخيرة”، ربما تنبأ عن فهم يعكس صورة علاقات الإنسان الحديث، التي باتت فيه روابطه الإنسانية شبكة معقدة تتصارع فيها المصلحة الفردية مع الحاجة للآخر.
تبدأ رواية هيبتا وتنتهي من قاعة المحاضرة التي يشرح فيها أخصائي علاقات زوجية وأسرية سبعة مراحل تمر بها العلاقات العاطفية -سمّاها المؤلف (الهيبتا) -بمعنى سبعة بالإغريقية ولا ندري لمَ اختار الإغريق تحديدًا؟-من خلال سرد أربع حالات قصصية مختلفة تعيش المراحل السبعة وهي (البداية-اللقاء-العلاقة-الإدراك-الحقيقة-القرار-النهاية).
إذا أردنا نقد الرواية سنحتار أي طريق نتخذ، هل نعتبرها رواية مبنية على هيكل “بداية، عقدة، انحلال”؟ أم يمكن إدراجها في القصص الإرشادية التي تتناول موضوع تنمية ذاتية على هيئة قصة؟
كان يمكن أن تندرج ضمن ذلك النوع لو انتهت المحاضرة بالنماذج القصصية الأربعة، لكن ظهور حبكة النهاية التي ربطت جميع الشخصيات ببعضها كفرد واحد عُرضت قصته على فترات عمرية مختلفة، أعطتنا تصور لوجود بطل القصة الذي كنا نبحث عنه طوال المئتين صفحة.
هل أسلوب السرد مبرر؟
ظهر السرد بطريقة الحديث عن شخصيات لا تملك أسماء ويرمز لها بأحرف “أ، ب، ج، د”، وكل منهم يعيش مرحلة حب يدرسها المُحاضر ويلقي مواعظه المباشرة بشأنهم! ويتبين فيما بعد أنهم لم يكونوا سوى شخصية واحدة بمراحل عمرية مختلفة منذ الطفولة حتى الرشد.
ومن خلال تتبع وتحليل مراحل الشخصية وربطها ببعض، تصل إلى نتيجة أن السرد أخفق في إظهار الشخصية كوحدة متماسكة، إذ أن حالاتها، ودوافعها، وحبها غير ناضج ومتناقض، ولم يكسبها حكمة تمنحها عُمقا أو بُعدا إنسانيا فلسفيا، رغم كلّ ما مرت به من تجارب وخبرات ومآسي -مبالغة في معظمها-، بدت مجرد حصان طروادة لمرور المواعظ والعِبر عبر المُحاضر، فظهرت فوضوية لا تعرف كيف تجمع قطعها المبعثرة. لكن هل بالفعل كما قال المُحاضر أن الهيبتا هي المقصودة وليست الشخصيات؟ هذا السؤال سيدفعنا إلى تحليل رغبة البطل.
لو حاولنا الإجابة عمّاذا يبحث البطل؟
يمكننا أن نجد البطل يتصارع في بعض المراحل -بمختلف شخصياته- مع مفهوم معين يحاول أن يتجاوزه، مثلا حالة أ “يصارع لإيجاد شيء بداخله يتحرك تجاه حب سلمى غير المشروط له”، لكن نكتشف فيما بعد أن كلما يتصارع معه البطل في الحقيقة ليس الهيبتا وتعقيداتها العاطفية، إنما ألمه المستمر وحاجته للبحث عن لّذة تشعره بأنه حيّ وحُر، كل هذا ظهر بطريقة مربكة عند النهاية.
النهايات المأساوية لا تؤثر في القرّاء دائمًا!
إذا عدنا إلى إهداء الرواية (إلى كل من سمح للدنيا بقتل كل شيء فيه.) سنجد أنه يصف حال البطل كما ذكرنا وليس الهيبتا نفسها، التي كانت الشخصية في خدمتها حتى فقدت معالمها وكيانها، فعند اللحظة الأخيرة التي أنهت حياة البطل عاد تساؤله الحقيقي مع “الألم المستمر”.
“هل تريد أن تحلق حقًا.. كل ما بحث عنه هو ذلك الشعور بالسقوط الحر.. بالحرية والانطلاق وانتهاء الوجع.. لكنه شعر بكل شيء دون أن يسقط..”
إذن البطل يبحث باستمرار عن لذّة الشعور فهو كائن يتألم لكن لا يشعر، بالتالي ما حاجة وجود الهيبتا في قصة هذا البطل المتعثر في فهم ذاته ولم يعطه الحب ما أراده منه إلا عند لحظة النهاية؟ لا يستحب أن يبرر الأمر بأن النهاية المأساوية تعلق في ذهن القارئ أكثر، فهنا ظهرت الرواية وكأنها تدفع البطل إلى مآسٍ متكررة دون داعٍ، فقط لتخدم قناعة مسبقة كُتبت بها الرواية قبل أن تظهر شخصيتها، بالتالي تفتقد الرواية لروح البطولة ورحلتها، إذ ظهرت كقصة ذات طابع إرشادي استلهمت من الرواية بعض أركانها وأهملت الأكثر فظهرت حيرانة لا تعرف لها تصنيف!
فهل أعطتنا الهيبتا عن الحب غير ما نعرفه؟