مقالات

نقاط معينة على إنجاز المسودة الأولى

غدير هوساوي


حجم الخط-+=

 

 

نحن دائمًا نرغب في الكتابة بشكل جيد ومقبول، ونشارك ما كتبناه مع قارئ مستقبلي يلتقط ما نكتب ويمنحه وقته وتفكيره. يغمرنا شعور بالرضا عندما نتلقى ردود الأفعال بكل صورها على ما نكتب، ونخرج عندئذ بشيء يشبه الثمرة المعنوية للكتابة. ولكن حتى نحقق ما نصبوا إليه نحتاج أولًا أن نُتم مسودتنا الأولى؛ النقطة التي يتعرقل عندها الكثير.

 

في مقولة قرأتها سابقًا تقول: ((أن فعل الكتابة يحدث في لاوعينا أكثر من كوننا نعي به)) لذلك صحيح أن جزءًا كبيرًا من فعل الكتابة هو فعل اكتشاف. في بعض المواضيع يتطلّب الأمر أن نجري أبحاثًا عميقة للكثير من المعلومات وهي مفيدة لتوسيع مداركنا حول الموضوع حتى نكتب عنه بشكل جيد قدر الإمكان، لذلك لا نحتاج لمخططات طويلة قبل أن نبدأ في الكتابة.

 

ما أظن أننا بحاجة إليه في المسودة الأولى لأي عمل هو تصوّر عام. فمثلًا من المهم معرفة نقطة الانطلاق، والخطوط العريضة التي ستتم مناقشتها والنهاية المحتملة لأنها في كثير من الأحيان تتغيّر. انتظار إلمامنا الكامل بالموضوع أو توقفنا عن الكتابة لفترات طويلة من أجل أن نطوّر أدواتنا ولغة كتابتنا سيؤخر فقط من إنجاز المسودة ويجرنا إلى التسويف. يمكن للأمر أن يسير بتناغم معًا بحثًا وكتابة. 

 

عندما تولد الشخصيات؛ كما خططنا لها في المسودة أنا على قناعة أننا لا نفهمها جيدًا ولا نحسن التعبير عنها إلّا عندما نخوض مرارًا في فعل الكتابة نفسها، ومع تكرار المحاولات نصقلها أكثر. يجب أن نثير رغبة قارئنا لما يحدث للشخصيات، ألّا نُسيّرَهم في مسار واضح متوقعة نهايته، وألّا تكون الشخصيات أصحاب مبادئ مثلى طوال الوقت فهذه شخصيات مسطّحة. وحتى نربط قارئنا بالشخصية ينبغي أن تكون مجسدة، مركّبة ومعقدة تشبه طبيعتنا نحن البشر، تحتمل الخير والشر وفي كلا الحالتين تملك أسبابها، كيف ستتصرّف إذا ما وضعت في موضع يختبر مبادئها، وصراعها بشقيه الداخلي والخارجي الذي يوجهها لتختار ثم تتحمّل تبعات قرارها.

 

في الكتابة الروائية لا نكتفي بالحكاية رغم أنها الأساس. تدعيم الرواية بالموضوعات والقضايا ولا أعني قضايا ضخمة ومترامية بالضرورة، يتم عادةً انتخاب القضايا بأشكال متعددة. في بعض الأحيان نعثر على موضوع من غير تخطيط مسبق ونجده يلائم الحكاية، أو نختاره عمدًا انطلاقًا من أشياء تمسنا بشكل شخصي أو تقع في مجال اهتمامنا وهذا ما يميز كاتبًا عن غيره بظني. ولنبقِ في أذهاننا أن الحكاية هي الأساس. كثير من الموضوعات غير المخطط لتضمينها تظهر أثناء كتابة المسودة الأولى تصلح لاستثمارها في الحكاية. 

 

بعض القصص تحتمل أن نُطيلها لأن فكرتها تحوي تفاصيل كثيرة، لكن إن كانت فكرة الرواية -العمل الأدبي عمومًا- لا تحتمل ذلك ونجحنا بالفعل في قول ما نريد فعلينا أن نتعلم كيف نقف. هناك تساؤلات دائمًا بشأن الطول الأنسب للرواية والقصة لكن الوعاء السردي يمكنه أن يحتمل أفكارنا بالقدر الذي نجده مناسبًا لها، وحتى بعد إتمام المسودة لا يجب أن تشغلنا لا عدد صفحاتها ولا كلماتها أكثر من تناسق الحكاية.

 

ما يجعل فعل الكتابة فعلًا مثمرًا هو إنشاء عادة كتابيّة. شيء كالدأب على العمل حتى خروج الثمرة. لا تكون العادة بالضرورة شيء يومي، يمكن أن تكون ضمن بضعة أيّام خلال الأسبوع أو أي شكل نجده مناسبًا لشكل حياتنا الحاليّ. يمكن لفترات راحة أثناء الكتابة لأيّام أو أسابيع أن تساعدنا في ترتيب أفكارنا ومعاودة نظرنا في المكتوب إضافةً وحذفًا حسب ما يتطلب الأمر. وأخيرًا تفضي عادة الالتزام بالكتابة إلى إنجاز متمثلًا في صورة مسودة أولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى