قصص قصيرة

السابع والعشرون عاما

بقلم: زكيّة العتيبي


حجم الخط-+=

 

7 August
أسند رأسه المُثقل بالهموم على طرف السرير
يُحدق في السقف إلى اللاشيء وجميع الأشياء في آنٍ واحد
لا شيء من حوله سوى الكثير من الصور والقليل من الرسائل الخطيّة وشيءٍ من قصاصات الورق، أما عقله فكان مليئًا بأشياء عدة .. فهناك أُناسٌ يتهامسون وآخرون أطلقوا العنان لضحكاتهم الصاخبة وأيضًا من كان يبكي في صمت كيلا يُشفق عليه أحد، والكثير الكثير في ذلك الصندوق الصغير الذي يحتفظ به رأسه المُرهق، نهض مسرعًا وكأنه تذكر للتو شيئًا قد نسيّه مؤخرًا اتجه إلى حاسوبه المتهالك وقد امتلأ مما حمله كل تلك السنوات، ودون أن يفكر كثيرًا بدأ في الكتابة :

“مرحبًا..
هذا أنا، مضى وقتٌ طويل منذ آخر مرة بعثتُ فيها إليكَ برسالة
حسنًا.. لا أعرف حق المعرفة لِمَ أنا هُنا اليوم
ولِمَ أكتب إليكَ بعد كُل هذه المدة من الزمن
التي مرت دونك، لربما يقتُلني حنيني إليكَ إن لم أكتب لك هذه الليلة، هذه الليلةَ تحديدًا
وإني لأجهل أي حرفٍ قد تخطه أناملي لتنسج من الحرف كلمات ومن ثم جملة لتنتهي بنصٍ طويل قد لا أقدر على أن أبعثه إليكَ
ها أنا اليوم في آخرِ شهرٍ من عُمر الـ 26 ربيعًا
أكان حقًا ربيعًا، أم أنه خريفٌ جاف؟
أكتبُ إليكَ، لـذاتي العطوف..
لذاتي التي طالما انخرطت في كُل تلك المآسي دون أن تيأس قط، دون أن تنهار لتتلاشى دفعةً واحدة
لتسمح بمطرها المالح بالإنهمار
أكتب إليكَ لأطلعكَ على أمرٍ واحد، واحدٍ فقط :
لقد سئمتُ كُل الأشياء من حولي، ولم يعُد لي حولٌ ولا قوة لتحملها أكثر من ذلك بعد اليوم،
فليُنقذني عطفك أو لتنقذني حكمتك لأخرج من هذا الأمر السقيم دون أن أفقد صوابي أو أن أُجن،أرجوك”
لم يع حينها ما ألمَّ به من تعبٍ وآه، فقد فُطر قلبه وخارت قواه، وكأن من سيقرأ هذه الرسالة بعد شهرٍ واحدٍ ليس الا، شخصٌ آخر غيره هو
لم يفهم حتى لِمَ كتبت يداه تلك الكلمات البائسة بدلًا من فمه الذي أُخرس منذ زمن، حمل أحد أصابع يدهِ اليُسرى التي طالما كتبت ما يُريد وما يرغب به ليبعثها لعامه الـ 27
أطلق تنهيدةً طويلة تنم عن ارتياحه وكأنه أزاح للتو حملًا ثقيلًا بالكاد تحتمله أكتافه الهزيلة
وبعد بُرهةُ من الزمن جاء صوت من آخر الممر لأخيه الذي لم يتجاوز العاشرة من عُمره فقد أخبره بأن يصطحبه للخارج هذا المساء : “هيّا فلتاتِ حالًا سئمت الانتظار طويلًا”

دون أن يُطفئ شاشة حاسوبه استقام واقفًا ليخرج ويدع كل ذلك الخراب ولو لساعةٍ واحدةٍ فقط.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى