قابلتُ إحدى صديقاتي في نهاية عام 2022، مشاركةً إياها آلاف من الخطط التي وضعتها للمستقبل. وحينما كنت أسرد لها مئات من التساؤلات العميقة التي تدور في مخيلتي عن ماذا يحمل الغد، ردت صديقتي قائلةً: «استمتعي باللحظة»، رسخت هذه الجملة في ذهني، وقادتني إلى طرح تساؤل عميق لنفسي: هل أنا أعيش اليوم بحد ذاته أم أني لا زلت عالقةً في التفكير في المستقبل؟
يقول مارك توين: «امنح كل يوم الفرصة لأن يكون أجمل أيام حياتك». العيش في حدود اليوم من لوازم السعادة كما أكد المختصون، وعيش اللحظة بحد ذاتها نعمة. إذ قد يؤدّي عدم تقديرنا لهذه اللحظة إلى تحقير النعمة، والاستغراق في اللحظة والانغماس في المشهد دون قلق من المستقبل الغامض. فن الاستمتاع باللحظة أجمل الفنون التي يمكن أن يتقنها المرء، هذا الفن عميق جداً وله استراتيجيات: أساسها الاستمتاع باليوم ذاته والتركيز على جمالية الأشياء الحاضرة وعدم مقارنتها بلحظات في خيالنا لا نعلم هل سوف تتحقق أم لا.
فعندما نستغرق بالتخطيط لمستقبل وتهيئة ذواتنا على الاستعداد دائمًا للغد، نحن هكذا نهدر يومنا عبثًا دون إدراك منّا أن هذه الأيام محسوبة ضمن عداد أيامنا في هذه الحياة!
كنت أعتقد سابقاً أن الاستمتاع باللحظة يتعارض مع التخطيط للمستقبل وأُمنياته، لكنني أدركت موخراً أنه لا يوجد بينهما تعارض بتاتاً فمثلاً عندما نستمتع بيومنا بشغف هذا لا يعني أننا نتوقف عن السعي خلف مستقبلنا ، بل الإنسان الطبيعي يسعى دائماً وراء أحلامه دون تفريط في لحظات حياته وعيشها بقلق من مستقبل غامض!
يقول أندرو ماثيوز: «أن نعيش اللحظة يعني اتساع مداركنا لكي نجعل هذه اللحظة أكثر لذة دون توقف. وعندما نعيش اللحظة نطرد الخوف من عقولنا؛ فالخوف الحقيقي هو القلق من المستقبل!»
أنا من الأشخاص الذين يفرطون في التفكير بالمستقبل، لذلك لازمني الأرق وتعطلت أيضًا الكثير من أشغالي في الحياة ، وكنت حقًا لا أشعر بقيمة الأيام وللأسف الشديد مضت أيام كثيرة كانت محسوبة من حياتي وأنا أسيرة للخوف، كنت حينها أركض دون توقف عند أي محطة قد تعترض طريقه.
كانت المشكلة تكمن في عدم ممارستي لامتنان النعم الكثيرة من حولي، وكان ما يشغلني طوال اليوم هو التفكير للحصول؛ الحصول على أشياء مستقبلية. فمثلاً كُنت أتمنى حصولي على حجز في معرض الكتاب من أجل توقيعي لروايتي، وقضيت تلك الأيام في قلقٍ شديد وعندما حصلت على ذلك عشتها بقلق آخر عن يوم التوقيع وماذا سيكون بعده، واستمررتُ على القلق ذاته إلى نهاية المعرض.
لذا مع بداية عام 2023، قررت ألا أؤجّل لحظات من حياتي تستحق أن أعيشها بكل طاقتي من أجل ساعات طويلة أقضيها بتفكير. ولن أنجرف وراء تساؤلات طويلة نحو مستقبل غامض. سأترك الأمور تسير على نحوها وكما هي مكتوبة في أقدارنا، فلماذا نعيش بقلق نحو المستقبل ؟
لم يكن تطبيقه سهلاً لكن في بادي الأمر سهلاً لكنني وأخيراً أصبحت شخصًا مفعمًا بالحياة.. يستمتع بكل لحظاته الحاضرة ويدع المستقبل للمستقبل