قصص قصيرة

ثوب أحمق

بقلم: شرنقة


حجم الخط-+=

 

في مساء يوم عاصِف، قام رجل شديد الساعد واليدين بالقيام بمهام الخادمة التي لم تسعفها الأيام بمزيد من العمر والصبر لاستقامة ظهرها، فأخذ ينفض الغبار ويزيل الأوساخ وآثار السيدة التي اقتلعها الزمان من بين ذراعي الحياة عنوة، لعدم قدرتها على إيجاد لقمة عيش دافئة، فتمتم في سرّه: رحمها الله وعندما حان وقت صلب الملابس، علّق صاحب الدار ثوبا حتى يجفّ وسافر تاركًا إياه على حبلٍ قصيّ فعلهُ الوحيد أن يَصمدَ أمام الأكوام المبللة والتي ترجو منه حملها حتى الجَفاف، ومن ثم رجوعها إلى يديْ صاحبها وإكمال العناية لها من الكي والتعطير، إلا أن ذلك الثوب رُبط ناحية الكتف، وتدلت ساقاه إلى الأرض مترنّحة بفعل النسائم الغاضبة، لم يرضَ السقوط ولم يستطع الهرب إلى المنفضة حتى يعود صاحبه، أمطرت السماء وجفت الأرض ودارت العواصف، والثوب شامخ الروح مهترئ الجسد والمنفعة، ويأبى أن تدفعه الرياح نحو ما تشتهي، مظنّةً أن الوفاء والأمل الهزيل لذلك الرّجل سيجعله متغاضيا عن الخسائر الباقية، ويُعوّل على أن وقوفه على تلك الأحوال ورغم المكائد وقضم الماعز لأطرافه، ستجعل منهُ ثوبا استثنائيا عتيقا، ويدين له بجائزة سنوية تُقدّم لتلك الأثواب التي لا تسقط، وما كان من صاحب الدار حينَ الرّجوع إلا رمي القطعة المتيبسة والتي لم تعد تصلح حتى لمسح الأرضيات غير مأسوف عليها إلا بعض الحسرة أن لا يجدها وقت حاجةٍ ماسّة، كما الخادمة، وأوشى أصحابه الثياب له أنه أعطى جائزة سخية لثوب لم يلبسه إلا مرة واحدة لفراره من درج الملابس عندما ترك النوافذ مفتوحة.

كذلك القوة التي تعتمل في قلب المتعلَق بسبب وجود الحافز الشعوري للحياة والموت والنوم واليقظة والسّكْر يمكنها أن تسرّب صحتك وتنسيك فرائضك، وافهم أننا لا نختار أن نكون ثوبًا منشورًا أو جديدًا في عروض التنزيلات، لكن التشبث المصاحب للخسارة تلوَ الخسارة سفَه يشبه محاولة يأجوج اليوم في الخروج من السدّ، بإمكان الثوب أن يقطع كتِفه، أو يتنازل للريح الأولى عندما أرادت انتشاله ولا يعود أبدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى