تنتابنا مخاوف عديدة من الكتابة، تتهيّأ لنا كأوهام وتهيمن على خواطرنا لبعض الوقت نحبها أحيانًا ونطمئن لها وأخرى نستنكرها ونتساءل كثيرًا عن جدواها، عندما تملؤني مخاوف كتلك ألجأ على الفور إلى شق القراءة عن الكتابة، يمكن لهذا النوع من الكتب أن يواسيني، لا يدحض المخاوف بالكلّية لكنه يتيح لي أن أتعلّم الدرس ممن أشاركهم التجربة.
شيء مثل تبني عادة الكتابة أظنها نصيحة انهالت علينا كثيرًا ومن كل مكان، مع ذلك لا زالت هناك محاولات لإدراجها ضمن جدولي اليومي حتى لا أحمل عبء حقيقة كوني كاتبة ولا أكتب! ينجح الأمر في أن أكتب لأيّام متواصلة دونما انقطاع، لكن بلا شك هناك أيّام تمر دون أية كتابة. هذا خوف أواجهه باستمرار، وأعتقد أن علينا بالإضافة إلى ممارسة فعل الكتابة أن نأخذ حصصًا إضافيّة لمواجهة مخاوفنا حيالها.
مخاوف حول كوني مُنتجة كتابيًا:
بعد أن ننجح ببناء عادة ما الذي ينتظرنا؟ هناك حد فاصل بين وصفنا بكتّاب أو أي وصف آخر عداه وهو أن نصير منتجين كتابيًا؛ نفس الجملة التي تقول بدل أن تعرَّف نفسك بأنك كاتب أظهر كونك كاتب بوجود نتاج لكتاباتك. وضعتني هذه الجملة في وضع ضاغط كثيرًا، أستحضر دائمًا أنني لا أريد أن أنتج نتاجًا عشوائيًا على حساب الجودة، أعمل ببطء نسبيًا بالكاد أتمكن من إنهاء عمل ما خلال بضعة شهور وفي المحصلة صنّفتُ نفسي بأن إنتاجاتي قليلة، يُفضي هذا إلى صعوبة قياس التطور وإحباطات وشكوك من ثم حنق داخلي؛ وعزم على ترك موضوع الكتابة هذا برمّته. وما إن يحصل أدنى موقف أمامي أقول على الفور هذا يصلح كثيمة للكتابة.
لدى تواجدي ضمن كثير من مجتمعات الكتابة ألحظ أشخاصًا يصرّحون دائمًا بأنهم ما زالوا يكتبون عملهم الأول، المشكلة أن كتابة العمل هذه ممتدة لما يقرب عشر سنوات وبعضهم أكثر. يجعلني هذا أتساءل عن الإمكانات الضائعة التي لم يكتشفها هؤلاء لأقلامهم؛ بسبب عكوفهم على نص واحد، ليست مسودة حقيقية حتى! إنما كتابة ذهنية لم يُسمح لها بعد بالتواجد في العالم، لا أعيب طريقتهم بالنسبة للكتابة يملك كلٌ منّا وقتًا وأهدافًا وتوجهات تخصّه، لكنني أستحضر في بالي دائمًا أنّ علينا أن نصبح منتجين بدل أن نتمسّك بعمل واحد ونقدسه فيمنعنا من التطور والانتقال لنقطة أخرى، ثم حين يكون النص نصك الوحيد أنتَ لا ترضى عليه أبدًا ويستمر تعلّقك به، تصبح أعمى عن أي قصور فيه وتحرمه من أن يخوض الحياة بنفسه.
مخاوف تظهر بعد إنجاز الكتابة:
عندما أنظر لقائمة ملاحظاتي أتساءل متى يسعني الوقت لأكتبها كلها! بالطبع جزء كبير منها سيتم مزاوجته ببعضه لتكامل أفكاره، جزء كبير آخر سأهجره إلى الأبد إذ يبدو سخيفًا بعد فترة، وجزء سأحتفظ به لوقت أفضل عندما أجمع معرفة وخبرة أكبر عن الناس والحياة أظن أنه لا يليق به أن يخرج في الوقت الراهن، هناك استعداد لا بد منه.
بعد أن أكتب النص يهيمن عليَّ الخوف مجددًا وأشعر حينها ألّا جديد لأقدمه، حالة من الفراغ والكراهية للحظة ثم حزن عميق، لا أتحدث عن حبسة الكاتب أو الاحتراق الإبداعي ولكنه سؤال ماذا بعد؟ مفهوم مخيف كالاكتفاء. يفقدني ثقتي إذا ما فكّرت أن الكتابة انتهت بالنسبة لي، ثم أضع نفسي أمام خيارين إمّا أن أدفع هذه المخاوف وأنتخب نصًا جديدًا أعمل عليه، أو أنزوي وأسوّف حتى ترتخي عضلة الكتابة وتنتهي فعلًا. الحمد لله سرعان ما يتحسن الحال عندما أدرك أن هذا الخوف ينجلي بمرور الوقت.
مخاوف حول مستقبل ما أكتب:
أعد هذا خوفًا مشروعًا يعانيه الكاتب؛ ألّا يقرأه أحد، يشبه الأمر أن تقحم نفسك داخل جماعة ما ولا يكون وجودك فارقًا. في الوقت عينه لا أحد مجبر على تقدير وقتك وجهدك الذي صرفته في الكتابة إذ أنه اختيارك، والأمر يأخذ وقتًا حتى يسمعوا صوتك.
صعب أن نلفت أنظار القراء لما كتبنا، العوامل كثيرة وهي سلسلة تبدأ بكثرة الملهيات، واكتفاء البعض بالقراءة لأسماء معروفة عربيًا، أو حصر قراءتهم في الكتب الأجنبية، جنبًا إلى ضعف صناعة الكتاب لدينا بالعموم. تتبعها مشكلات أخرى تتعلّق بتوزيع ووصول الكتاب وارتفاع ثمنه، والقرصنة بوصفها أكبر مشكلة يعانيها سوقنا. بكل حال ثمة فوضى في سوق النشر -هكذا أرى الأمر- ولا يتعارض هذا مع رغبتي في زيادة الكتّاب لإنتاجهم. وأنا على قناعة أمام كل تلك المخاوف والعقبات لا يجب أن نتوقف أبدًا، تذكروا نحن لا نستسلم لأن هذا ما يعنيه كوننا كتّاب.